التعاون مع الشيعة

"نتعاون في فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"
هذه عبارة جميلة وعليها مسحة عاطفية، وقصد بها قائلها توحيد الأمة لكنها عند التأمل و التطبيق الفعلي ـ تؤصل الفرقة و الخلاف في الأمة الواحدة. تنسب هذه العبارة للشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله، و اشتهرت و استخدمت من بعده كثيرا. فهل هذه العبارة صحيحة؟

أما جزؤها الأول "نتعاون فيما اتفقنا عليه" فهذا لا إشكال فيه و هو متفق عليه على أن لا يتم الاستعانة بمشرك في الحرب. الإشكال في الجزء الثاني "و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، إذ: ما حدود العذر؟ وما حدود الاختلاف؟ هل يدخل فيه الرافضة أو الإباضية أو غلاة الصوفية؟ و هل كل خلاف يُعذر صاحبه؟ الحقيقة أننا لو طبقنا هذه القاعدة لما بقي مكان للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إذ أنك لا تكاد تجد منكرا إلا و تجد له مسوغا ـ بشكل أو بأخر ـ في أحد أقوال العلماء!

فالخلاف منه ما هو سائغ، و هو ما كان مبنيا على اجتهاد صحيح في أصله بأن يكون من عالم و بناء على دليل. مثل الخلاف في مدة قصر الصلاة أو بعض شروط المسح على الخفين. فهذا يكون فيه العذر و يكون الإنكار فيه ببيان الدليل و توضيح الحجة دون شدة أو غلظة، و لا يثرب على صاحبه ـو لو كنا نعتقدـ لأن قوله مبني على اجتهاد صحيح.

و منه ما هو غير سائغ و يجب رده و إنكاره بالطريقة المناسبة، و ذلك مثل أن يكون الخلاف في مقابل النص، أو أن يكون وجه الاستدلال غير صحيح أو أن يكون الدليل نفسه غير صحيح. مثل تسويغ البعض دعاء غير الله و تسميته توسلا، أو التبرك بالقبور. فهذا الخلاف غير مقبول و يجب على أهل العلم إنكاره، لأنه قول على الله بغير علم و بيانه من الميثاق الذي أخذه على أهل العلم. و السكوت عنه يعمق الخلاف في الأمة فإن هذه الأقوال بدأت بشخص واحد أو أفراد قلائل، لكن لما لم يواجهوا بالإنكار انتشر الخطأ و عم حتى صار كالسنة عند أتباعه لا يجوز إنكاره.

فالسكوت عن بحث مواضع الخلاف و تبيين الأخطاء يفضي على الأمد البعيد إلى تأصيل الفرقة و تقسيم الأمة إلى مذاهب، و هو أيضا يفقد الأمة صفة من أهم صفات النجاح و الفلاح و هي (التواصي بالحق)، و هو ما يحصل الآن.

إذن الصواب أن تكون قاعدتنا: "نتعاون على البر و التقوى (و يدخل فيه تصحيح الأخطاء) و لا نتعاون على الإثم و العدوان"، أو نقول "نتعاون فيما اتفقنا عليه و ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".

بقي أن أؤكد أنه يجب الأخذ بالآداب الشرعية عند التعامل مع المخالفين، من أي نوع كانو.


موقف السلف الصالح

عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من احدث حدثا أو آوى محدثا؛ فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل الناس منه صرفا و لا عدلا" و المحدث المبتدع، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار"

و روى اللالكائي و ابن بطة عن صلة بن زفر عن عبد الله رضي الله عنه؛ قال: "يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا-يعني مفصل الأصابع-،فإن تركتموهم؛ جاءوا بالطامة الكبرى" هاهم في زماننا تركوا السنة و جاءوا بالطامات الكبار، و ما زالوا يقولون "نعمل فيما اتفقنا عليه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه"، و الله المستعان.

روي عن ابن أبي شيبة في المصنف و الدرامي في السنة و اللالكائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال "إياكم و أصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا و أضلوا"
و روى مسلم في صحيحة عن يحيى بن يعمر و حميد بن عبد الرحمن؛ قال يحيى لعبد الله بن عمر رضي الله عنه: "إنه ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن و يتفقون العلم، و ذكر من شأنهم و أنهم يزعمون أن لا قدر، و أن الأمر أنف؟ قال(ابن عمر): فإذا لقيت أولئك؛ فأخبرهم أني بريء منهم و أنهم برآء مني، و الذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا، فأنفقه؛ ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"
و السلف الصالح رضي الله عنهم لم يقفوا في محاربة أهل البدع و الضلال قاتلهم الله بالرد عليهم و بيان باطلهم، بل أخذوا يحذرون الناس من مجالستهم أو محادثتهم أو التبسم إليهم أو السلام عليهم أو رده عليهم، بل و يحذرون أيضا من مجاورتهم في الدور؛ كما ورد عن أبي الجوزاء عند اللالكائي و ابن بطة؛ قال: "لأن يجاورني قردة و خنازير احب أن يجاورني أحد منهم"؛ يعني أصحاب الهوى.
و قد هجر بعض علماء السلف بلدانا انتشرت فيها البدع و استحكمت إلى بلاد اقرب للسنة منها؛ كما ورد عن حريم بن عبد الله و حنظلة و عدي بن حاتم؛ أنهم هاجروا من الكوفة إلى قرقيسيا، و قالوا: "لا نقعد ببلدة يشتم فيها عثمان" لذلك يجب على من أتى ببدعة أن يستتاب أو يقتل، فإن كان الأمر دون قتله؛ فيكون الأولى حبسه و نفيه حتى يموت جيفة فطيسة تنهش الكلاب من لحمه.
و روى الدرامي و ابن بطة عن الحسن رحمه الله؛ أنه كان يقول: "لا تجالسوا أهل الأهواء، و لا تجادلوهم، و لا تسمعوا منهم" و عن الفضيل بن عياض رحمه الله؛ قال: "من أتاه رجلا فشاوره فدله على مبتدع، فقد غش الإسلام، و احذروا الدخول على أصحاب البدع؛ فإنهم يصدون عن الحق". و قال عبد الله بن المبارك لإسماعيل الطوسي: "إياك أن تجالس صاحب البدعة"

و عن أبي داود صاحب السنن رحمه الله؛ قال: "رأيت أحمد سلم عليه رجل من أهل بغداد ممن وقف -أي من الواقفة الذين وقفوا في القرآن- فيما بلغني، فقال له؛ اغرب لا أراك تجيء إلى بابي؛ في كلام غليظ، و لم يرد عليه السلام، و قال له؛ و ما أحوجك أن يصنع بك كما صنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ!، و دخل بيته، و رد الباب"
رحم الله أحمد بن حنبل و سائر أئمة السلف، ما أصلبهم على الحق!، و ما أشدهم على الباطل و أهله و لذلك حفظ الدين بهم أما زماننا؛ فقد اختلط فيه الأمر، و ضاع الحق في الباطل؛ فلا تمييز بين سني و بدعي، و لو قلت لأحدهم؛ اتق الله، و لا تجلس مع فلان لأنه صاحب بدعة، قال لك، اتق الله أنت، و لا تقع في أعراض المسلمين!
قال سفيان الثوري رحمه الله "من ماشى المبتدعة عندنا؛ فهو مبتدع". و عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه" قال: "فأهل السنة و الجماعة أولو العلم، و أما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة"
و عن الحسن رحمه الله قال: "أهل الهوى (المبتدعة) بمنزلة اليهود و النصارى"

نسأل الله العفو و السلامة من هؤلاء الذين يعملون مع المشركين و المبتدعة في خندق واحد.